19 - 10 - 2024

وجهة نظري | امبراطور الكيمياء "برخصة"

وجهة نظري | امبراطور الكيمياء

سنوات طويلة ووزارة التعليم ترفع شعار "لا للدروس الخصوصية" ولا يدع أي وزير شغل هذا المنصب مناسبة إلا وأعلن فيها عن نية الوزارة محاربة تلك الدروس. ونالت "السناتر" النصيب الأكبر من الحملة الهجومية الضروس التي شنتها الوزارة .. وتعهدت قياداتها عبر عهود مختلفة بالتصدي لها .. لكن لم تسفر تلك الهجمة الشرسة عن شيء ولم تخرج الحرب عن كونها مجرد كلمات جوفاء يقتلها الواقع ، الذى أثبت سطوة وقوة تلك السناتر والأهم نجاحها فيما فشلت فيه الوزارة ، لتتحول لمراكز تعليم بديلة تقدم الشرح بطرق غير تقليدية يتقن تقديمها معلمون شطار هضموا جيدا المادة وتفننوا في شرحها ونجحوا في توصيلها بحرفية للطلبة ، بل وتفوقوا أيضا في قراءة عقلية واضعى الإمتحانات ، ووصل الأمر لبعضهم بتوقع الأسئلة ، ومن ثم وضع الإجابة النموذجية وتلقينها للطلاب.

لم يكن غريبا بعد هذا النجاح الكبير الذى حققه مجموعة من المعلمين الشطار الذين فهموا قانون العصر ، وعرضوا مواهبهم مثل تجار بارعين مقابل أموال ضخمة دفعها أهالى الطلبة عن طيب خاطر وتكبدوا تكاليفها المرهقة ، لهدف واحد أن يعبر أولادهم عنق الزجاجة ويتخطوا كابوس الثانوية العامة ، ويخطون أولى خطواتهم للجامعة.

وقبل أن نشير بأصابع الاتهام إلى تلك السناتر ونتهمها بالجشع ، أن نتساءل من المسؤول عن ظهورها وإنتشارها؟ من الذى فتح الباب على مصراعيه ليحول المعلمون فيها لأثرياء حرب الثانوية العامة؟ من الذى منحهم الصيت وتلك الهالة التي دفعتهم لإطلاق الألقاب العجيبة "ملك الكيمياء" و"امبراطور الفيزياء" وغيرها.

من المؤكد أن تراجع دور المدارس وعجزها ، بل وفشلها في تقديم التعليم في فصولها ، دفع الطلبة وأهاليهم من قبلهم للهروب والبحث عن بديل.

لا أحد ينكر ذلك الفشل ، ولا أحد ينكر أن وزارة التعليم عجزت تماما عن أداء دورها ، فلا هي قادرة على تقديم تعليم ، ولا هى ناجحة في تربية النشء.

الغريب ، وبدلا من أن تحاول الوزارة إصلاح ما أفسده وزراؤها خلال عقود طويلة من الزمن وبدلا من الإقدام بخطى ثابتة وقوية وسريعة لتطوير مناهجها وتحديثها وتدريب مدرسيها وزيادة كفاءتهم أملا في إستعادة دورها المفقود الذى إنسحبت منه لتحل السناتر والدروس الخصوصية بدلها ، لجأت إلى تقنين تلك السناتر ومنحها "ترخيصا" بحجة "ضمان سلامة البيئة التي يدرس فيها الطلاب وتحصيل حق الدولة من جهة أخرى" كما صرح الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم.

من غير المنطقى قبول تلك الحجة في مجملها .. فسلامة البيئة التعليمية لم تكن يوما شاغلا يهم الوزارة كثيرا ، وإلا ما وصلنا لهذه الحال من تردى الأوضاع في مدارسنا ، مبانى ومناهج وحال مدرسين يرثى لها مهنيا وماديا.

لكن ما يمكننا تفهمه وقبوله ، وربما لم نكن نحتاج لكلمات الوزير لتؤكده ، مايتعلق بالهدف الثانى من إقدام الوزارة على منح التراخيص للسناتر وهو "حق الدولة" كما صرح الوزير.

الجباية إذا هو هدف الوزارة .. لم تستطع أن تمنع السناتر وتحاربها وتقدم تعليما بديلا لتسحب البساط منها وتقزم دورها ، فاكتفت بمشاركتها ربحها وفرض الرسوم عليها.

هذا أقصى ما يمكن أن تذهب إليه عقلية القائمين على التعليم في بلادنا ، وما يؤكد تلك القناعة أيضا ما تسعى إليه الوزارة لحوكمة "مجموعات التقوية" وكان أول ما يشغلها هو تغيير اسمها لتصبح "مجموعات الدعم" ، وكأن تغيير الاسم وحده يكفى لتحسين أداء وتقوية دور تلك المجموعات.

الأكثر غرابة أن الوزارة ستقوم بإلإستعانة بإحدى الشركات للإشراف على تلك المجموعات ، دون أن توضح لنا الحكمة من ذلك الإجراء والهدف من الإستعانة بهذه الشركات ، والأهم مدى التكلفة التي تتحملها مقابل تلك الخدمة ، وماهو العائد منها ، وألا يشكل ذلك زيادة في الأعباء وإهدار لموارد هي في أمس الحاجة إليها بفرض وبنية حسنة وساذجة أن حصيلة مجموعات التقوية تصب في صالح العملية التعليمية ، وليس القائمين عليها.

مثل دائرة مغلقة ندور فيها معصوبي العينين ، يتبدل الوزراء وتتغير الكلمات وتتوالى العهود وتطرح البرامج البراقة ، لكننا محلك سر .. لا شهدنا تطورا في التعليم ، ولا اهتماما بالتربية ، وباتت المدارس خاوية على عروشها ، أو في أحسن الأحوال متنفسا لتضييع وقت الطلبة غير الجادين.

أدار الجميع وجهه شطر السناتر وشاركتهم الوزارة ورفعت الراية البيضاء ، لتعترف بها وتمنحها الشرعية وترخيصا هو في الواقع اعتراف صريح بالفشل ، وبإنهيار التعليم "الرسمي".

البقية في حياتكم.
-------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | الاستغناء عن الحكومة